فصل: (سورة المعارج: الآيات 1- 10)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة المعارج: الآيات 1- 10]

{سأل سائِلٌ بِعذابٍ واقِعٍ (1) لِلْكافِرين ليْس لهُ دافِعٌ (2) مِن اللّهِ ذِي الْمعارِجِ (3) تعْرُجُ الْملائِكةُ والرُّوحُ إِليْهِ فِي يوْمٍ كان مِقْدارُهُ خمْسِين ألْف سنةٍ (4) فاصْبِرْ صبْرا جمِيلا (5) إِنّهُمْ يروْنهُ بعِيدا (6) ونراهُ قرِيبا (7) يوْم تكُونُ السّماءُ كالْمُهْلِ (8) وتكُونُ الْجِبالُ كالْعِهْنِ (9) ولا يسْئلُ حمِيمٌ حمِيما (10)}

.اللغة:

{الْمعارِجِ} المصاعد جمع معرج.
{المهل}: دردي الزيت أو ذائب الفضة وقد تقدم ذكره في سورة الدخان.
{العهن} الصوف على الإطلاق دون تقييد أو المصبوغ بالأحمر أو بشتى الألوان أقوال.

.الإعراب:

{سأل سائِلٌ بِعذابٍ واقِعٍ} {سأل} فعل ماض مبني على الفتح متضمن معنى دعا ولذلك عدّي تعديته و{سائل} فاعله و{بعذاب} متعلقان بـ: {سأل} و{واقع} نعت وقيل هو على بابه والباء بمعنى عن واختاره أبو البقاء.
وقال أبو علي الفارسي: وإذا كان من السؤال فأصله أن يتعدى إلى مفعولين ويجوز الاقتصار على أحدهما وإذا اقتصر على أحدهما جاز أن يتعدى إليه بحرف جر فيكون التقدير سأل سائل اللّه أو النبي صلى الله عليه وسلم أو المسلمين بعذاب أي عن عذاب. والسائل هو النضر بن الحارث حين قال: اللّهمّ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم، وهو ممّن قتل يوم بدر. وقال الواحدي: الباء في {بعذاب} للتوكيد كقوله: {وهزي إليك بجذع النخلة} والمعنى سأل سائل عذابا واقعا.
{لِلْكافِرين ليْس لهُ دافِعٌ} في الجار والمجرور أقوال:
أحدها أنه متعلق بسأل مضمنا معنى دعا أي دعا لهم.
والثاني أن يتعلق بواقع واللام للعلّة أي نازل لأجلهم.
والثالث أن تكون اللام بمعنى على أي واقع على الكافرين.
وعلى هذا فهي متعلقة بـ: {واقع} أيضا وجملة {ليس له دافع} نعت ثان لعذاب أو حال من عذاب لأنه وصف و{ليس} فعل ماض ناقص و{له} خبرها المقدّم و{دافع} اسمها المؤخر.
{مِن اللّهِ ذِي الْمعارِجِ} متعلق بـ: {واقع} أي واقع من عنده ومن جهته أو متعلق بـ: {دافع} بمعنى ليس له دافع من جهته إذا جاء وقته و{ذي المعارج} نعت للّه. {تعْرُجُ الْملائِكةُ والرُّوحُ إِليْهِ فِي يوْمٍ كان مِقْدارُهُ خمْسِين ألْف سنةٍ} كلام مستأنف مسوق لتأكيد العلو البعيد، و{تعرج الملائكة} فعل مضارع وفاعل و{الروح} عطف على {الملائكة} وأراد به جبريل فهو من عطف الخاص على العام و{إليه} متعلقان بـ: {تعرج} و{في يوم} متعلقان بمحذوف دلّ عليه واقع أي يقع العذاب بهم في يوم القيامة. وكان واسمها و{خمسين} خبرها و{ألف سنة} تمييز {خمسين} أو متعلق بـ: {تعرج} أيضا.
{فاصْبِرْ صبْرا جمِيلا} الفاء الفصيحة أي إن عرفت هذا وتدبرت فحواه فاصبر، واصبر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت و{صبرا} مفعول مطلق و{جميلا} نعت. {إِنّهُمْ يروْنهُ بعِيدا} إن واسمها وجملة {يرونه} خبرها والضمير للعذاب و{بعيدا} مفعول به ثان لأن الرؤية علمية والجملة تعليلية لا محل لها.
{ونراهُ قرِيبا} عطف على الجملة السابقة داخلة في حيّز الخبر.
{يوْم تكُونُ السّماءُ كالْمُهْلِ} الظرف متعلق بـ: {قريبا} أو بمحذوف يدل عليه واقع أي يقع يوم تكون وجملة {تكون} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{السماء} اسمها و{كالمهل} خبرها.
{وتكُونُ الْجِبالُ كالْعِهْنِ} عطف على الجملة السابقة مماثلة لها في إعرابها.
{ولا يسْئلُ حمِيمٌ حمِيما} الواو عاطفة و{لا} نافية و{يسأل حميم} فعل مضارع وفاعله و{حميما} مفعول {يسأل} الأول والمفعول الثاني محذوف والتقدير شفاعته ونصره وقيل {حميما} منصوب بنزع الخافض و{يسأل} لا حاجة لها إلى مفعول.

.البلاغة:

1- في قوله: {يوم تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} فن التمثيل فليس المراد حقيقة ذلك العدد بل المراد الإشارة إلى أنه يبدو للكافر طويلا لما يلقاه خلاله من الهول والشدائد فلا تنافي مع آية السجدة {في يوم كان مقداره ألف سنة} والعرب تصف أيام الشدّة بالطول وأيام الفرح بالقصر قال:
فقصارهنّ مع الهموم طويلة ** وطوالهنّ مع السرور قصار

وقال آخر:
ويوم كظل الرمح قصر طوله ** دم الزق عنا واصطفاق المزاهر

2- وفي قوله: {يوم تكون السماء كالمهل} تشبيه مرسل ووجه الشبه التلوّن وكذلك قوله: {وتكون الجبال كالعهن} ووجه الشبه التطاير والتناثر وقد رمق أبو العلاء هذه السماء العالية من البلاغة إذ قال في رثاء أبيه:
فيا ليت شعري هل يخفّ وقاره ** إذا صار أحد في القيامة كالعهن

.[سورة المعارج: الآيات 11- 23]

{يُبصّرُونهُمْ يودُّ الْمُجْرِمُ لوْ يفْتدِي مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ بِبنِيهِ (11) وصاحِبتِهِ وأخِيهِ (12) وفصِيلتِهِ الّتِي تُؤْوِيهِ (13) ومنْ فِي الْأرْضِ جمِيعا ثُمّ يُنْجِيهِ (14) كلاّ إِنّها لظى (15) نزّاعة لِلشّوى (16) تدْعُوا منْ أدْبر وتولّى (17) وجمع فأوْعى (18) إِنّ الْإِنْسان خُلِق هلُوعا (19) إِذا مسّهُ الشّرُّ جزُوعا (20) وإِذا مسّهُ الْخيْرُ منُوعا (21) إِلاّ الْمُصلِّين (22) الّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ دائِمُون (23)}

.اللغة:

{وفصيلته} الفصيلة العشيرة وقال ثعلب الآباء الأدنون فهي فعيلة بمعنى مفعولة أي مفعول منها.
{لظى} اسم جهنم لأنها تتلظى أي تتلهب على من يصلاها.
{لِلشّوى} الشوى جمع شواة وهي جلدة الرأس.

.الإعراب:

{يُبصّرُونهُمْ يودُّ الْمُجْرِمُ لوْ يفْتدِي مِنْ عذابِ يوْمِئِذٍ بِبنِيهِ} الجملة مستأنفة أو حالية، وأجاز الزمخشري أن تكون صفة أي حميما مبصرين، و{يبصرونهم} فعل مضارع مبني للمجهول والواو نائب فاعل والهاء مفعول به ثان، وعدّي بالتضعيف إلى مفعول ثان وقام الأول مقام الفاعل وإنما جمع الضميران في {يبصرونهم} وهما للحميمين حملا على معنى العموم لأنهما نكرتان في سياق النفي وفيه دليل على أن الفاعل والمفعول الواقعين في سياق النفي يعمّان كما التزم في قوله واللّه لا أشرب ماء من أداوة إنه يعمّ المياه والأداوي خلافا لبعضهم في الإداوة أي يبصر الأصحّاء بعضهم بعضا ويتعارفون ولكنهم لا يتبادلون الكلام لتشاغلهم بأنفسهم، و{يودّ المجرم} فعل مضارع وفاعل والجملة حالية و{لو} مصدرية بمعنى أن لأنها وقعت بعد فعل الودادة وهي مع ما في حيّزها في تأويل مصدر مفعول {يودّ} أي يودّ افتداء و{من عذاب} متعلقان بـ: {يفتدي} و{يومئذ} ظرفان مضافان والتنوين عوض عن جمل محذوفة والتقدير يوم إذ تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسأل حميم حميما، و{ببنيه} متعلقان بـ: {يفتدي} أيضا.
{وصاحِبتِهِ وأخِيهِ وفصِيلتِهِ الّتِي تُؤْوِيهِ} عطف على {بنيه} وجملة {تؤويه} صلة أي تضمه في النسب.
{ومنْ فِي الْأرْضِ جمِيعا ثُمّ يُنْجِيهِ} عطف أيضا و{في الأرض} صلة الموصول و{جميعا} حال و{ثم} حرف عطف للتراخي لشدة الهول و{ينجيه} فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به أي يودّ لو يفتدي ثم لو ينجيه الافتداء، و{ثم} لاستبعاد الإنجاء يعني تمنى لو كان هؤلاء جميعا في متناول يده وبذلهم في فداء نفسه وهيهات,
{كلّا إِنّها لظى} {كلا} حرف ردع وزجر لودادتهم الافتداء وتنبيه على أن ذلك التمنّي غير وارد وليس بذي طائل وإن واسمها و{لظى} خبرها والضمير للنار الدّال عليها العذاب.
{نزّاعة لِلشّوى} حال مؤكدة مبينة أو نصبت على الاختصاص للتهويل وعلى الحال يكون العامل فيها ما دلّت عليه {لظى} من معنى الفعل أي تتلظى {نزّاعة} وقرئ بالرفع فهو خبر ثان أي خبر لمبتدأ محذوف أي هي نزّاعة وقيل هي بدل من {لظى} وقيل كلاهما خبر وقيل {لظى} بدل من اسم إن و{نزّاعة} خبرها.
{تدْعُوا منْ أدْبر وتولّى} الجملة حالية من الضمير في {نزّاعة} وفاعل {تدعو} مستتر يعود على {لظى} و{من} موصول مفعول به وجملة {أدبر} لا محل لها لأنها صلة {وتولى} عطف على {أدبر}، وسيأتي مزيد بيان لهذه الدعوة في باب البلاغة.
{وجمع فأوْعى} عطف على {أدبر وتولى} ومعنى {أوعى} جمع المال فجعله في وعاء وكنزه ولم يؤد به حق اللّه تعالى.
{إِنّ الْإِنْسان خُلِق هلُوعا} الجملة بمثابة التعليل لما تقدم وإن واسمها وأل في الإنسان جنسية وجملة {خلق} خبر {إن} ونائب الفاعل مستتر يعود على {الإنسان} {وهلوعا} حال مقدّرة لأنه ليس متصفا بهذه الصفات قبل ولادته ووقت خلقه.
{إِذا مسّهُ الشّرُّ جزُوعا} {إذا} ظرف متعلق بـ: {جزوعا} وجملة {مسّه} في محل جر بإضافة الظرف إليها و{الشر} فاعل و{جزوعا} حال من الضمير في {هلوعا} ولك أن تجعله نعتا لـ: {هلوعا}.
{وإِذا مسّهُ الْخيْرُ منُوعا} عطف على الجملة السابقة مماثلة لها في إعرابها.
{إِلّا الْمُصلِّين} استثناء من الإنسان المراد به الجنس فهو استثناء متصل.
{الّذِين هُمْ على صلاتِهِمْ دائِمُون} {الذين} نعت للمصلين و{هم} مبتدأ و{على صلاتهم} متعلقان بـ: {دائمون} و{دائمون} خبرهم والجملة الاسمية صلة {الذين}.

.البلاغة:

في قوله: {تدعو من أدبر وتولى} مجاز عقلي عن إحضارهم كأنها تدعوهم فتحضرهم، وقد تقدم بحث المجاز العقلي في هذا الكتاب، أو استعارة مكنية، ومنه قول ذي الرمة يصف ثورا وحشيا:
أمسى بوهبين مجتازا لمرتعه ** من ذي الفوارس تدعو أنفه الربب

ووهبين اسم موضع وكذلك ذو الفوارس والربب بموحدتين جمع ربة وهي أول ما ينبت من الكلأ والدعاء الطلب وهو هنا مجاز عن التسبّب في الأمر لأن النبات الصغير سبب في وصول أنفه للأرض ليرعاه. ويجوز أن يكون الدعاء من باب الاستعارة، شبّه الربب بالداعي وحذف المشبّه به وأخذ شيئا من خصائصه.
ومنه أيضا قول ذي الرمة:
ليالي اللهو يطبيني فأتبعه ** كأنني ضارب في غمرة لعب

وليالي منصوب على الظرفية واللهو مبتدأ وطباه يطبوه ويطبيه إذا دعاه وجذبه أي اللهو يدعوني في ليال كثيرة فأتبعه كأني سابح في لجّة من الماء تغمر القامة. ولعب خبر ثان والظرف متعلق بيطبيني وقيل هو متعلق بما قبلها والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها.